الحياة في ألمانيا

التمييز العنصري وتأثيره على الأجانب الباحثين عن سكن في ألمانيا

الإعلانات

التمييز العنصري وتأثيره على الأجانب الباحثين عن سكن في ألمانيا.

يرفع المتظاهرون لافتات مكتوب عليها «السكن حق للجميع»، في مشهد يعكس أزمة سكن حادة تؤثر على الفئات المختلفة بطرق متفاوتة.

فرغم صعوبة العثور على شقة للإيجار في ألمانيا للجميع، تكشف دراسات حديثة أن بعض الأجانب والأقليات العرقية يواجهون صعوبات مضاعفة، لا سيما نتيجة التمييز العنصري غير المعلن.

صعوبة الإثبات… لكن الأرقام تتحدث

لطالما كان إثبات التمييز في سوق الإيجار الألماني أمراً معقداً، إلا أن دراسة حديثة وشاملة أجراها المرصد الوطني للتمييز والعنصرية (NaDiRa) أكدت وجود هذا التمييز بشكل ممنهج.

وتُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تربط بين التمييز العنصري وفرص الحصول على السكن في ألمانيا.

ووفقاً للنتائج، يواجه الأشخاص السود احتمالاً يقارب 35% في رفض معاينة الشقق، فيما يرتفع هذا الرقم إلى 39% بالنسبة للمسلمين، بينما يواجه الأشخاص الذين لا يُصنَّفون عرقياً رفضاً بنسبة 11% فقط. تعكس هذه الأرقام واقعاً مؤلماً يعيشه الكثيرون في سعيهم لتأمين مسكن مناسب.

ماذا يعني «التصنيف العرقي»؟

تشير الدراسة إلى أن مصطلحي «مُصنَّف عرقياً» أو «مُعرَّف عرقياً» يُستخدمان للإشارة إلى الأفراد الذين يُنسبون إلى مجموعة عرقية معينة بناءً على لون البشرة أو الاسم أو الخلفية الثقافية، بغض النظر عن هويتهم الفعلية أو جنسيتهم.

تجربة ميدانية تكشف الفارق

أُجريت الدراسة بواسطة المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة (DeZIM)، وشملت أكثر من 9500 مشارك بين أغسطس 2024 ويناير 2025.

وجمعت الدراسة بين التحليل الإحصائي وتجربة ميدانية، حيث أُرسلت طلبات إيجار متطابقة تماماً، لكن بأسماء مختلفة، إلى مُلّاك ووكلاء العقارات.

وأظهرت النتائج أن المتقدمين بأسماء ألمانية حصلوا على دعوة لمعاينة الشقة بنسبة 22%، في حين لم تتجاوز النسبة 16% لدى من تحمل أسماؤهم دلالات من الشرق الأوسط أو تركيا أو أفريقيا.

معاملة غير متكافئة في جميع المراحل

لا يقتصر التمييز على مرحلة التواصل الأولى، بل يمتد إلى كامل مسار السكن. فالأشخاص المنتمون إلى أقليات عرقية أكثر عرضة لعقود إيجار محددة المدة، التي تُعد أقل استقراراً.

وتشير الدراسة إلى أن 12% من هؤلاء المستأجرين يعيشون بعقود مؤقتة، مقابل 3% فقط لدى غير المنتمين إلى أقليات عرقية.

كما ينفق 37% من أفراد الأقليات العرقية أكثر من 40% من دخلهم الشهري على السكن، مقارنةً بـ 30% لدى غيرهم، ما يضعهم تحت ضغط مالي مستمر.

ظروف معيشية أصعب وأحياء أقل جودة

تكشف البيانات أن الأقليات العرقية غالباً ما تعيش في مساكن أصغر وأقل جودة وأكثر تكلفة.

فمتوسط مساحة السكن للفرد لا يتجاوز 47 متاً مربعاً وبمعدل 1.3 غرفة، مقابل 69 متاً مربعاً و1.9 غرفة لغير المنتمين إلى أقليات.

وتبلغ نسبة السكن في مساكن دون المستوى المقبول 57% لدى الأقليات العرقية، مقابل 48% لدى غيرهم.

كما تنتشر مشاكل العزل الرديء والعفن والتلوث البيئي بشكل أكبر في الأحياء التي تضم نسباً مرتفعة من السكان السود والمسلمين والآسيويين.

ولا يتوقف التمييز عند حدود المسكن، إذ أفاد 23% من المشاركين السود و18% من المسلمين بتعرضهم لمعاملة أسوأ داخل أحيائهم، مقارنةً بـ 6% فقط لدى غير المنتمين إلى أقليات.

ملكية المنازل… فجوة عميقة

تُعد ملكية المنازل عنصاً أساسياً لتحقيق الاستقرار والأمان المالي في ألمانيا، إلا أنها أقل شيوعاً بين الأقليات العرقية.

وتشير الدراسة إلى أن 11% فقط من السود و24% من المسلمين يمتلكون منازلهم، مقارنةً بـ 57% لدى غير المنتمين إلى هذه الفئات.

التأثير النفسي للسكن غير العادل

يترك الوضع السيء للسكن وعدم استقراره أثراً نفسياً واضحاً على الأفراد. إذ تُظهر النتائج أن الأشخاص غير الراضين عن مساكنهم أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للإبلاغ عن أعراض ضغط نفسي تتراوح بين المتوسطة والشديدة، ما يجعل التمييز السكني قضية اجتماعية وصحية عميقة التأثير.

تؤكد الدراسة أن التمييز العنصري في سوق الإيجار الألماني ليس حوادث منفصلة، بل نمطاً متكرراً يؤثر بشكل مباشر على فرص الحصول على السكن والاستقرار فيه.

وهذا الواقع لا يقتصر على الجانب المادي، بل يمتد ليؤثر على نوعية حياة الأجانب والأقليات العرقية، مخلفاً آثاراً نفسية واجتماعية طويلة الأمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى